فشل الابتكار المؤسسي: لماذا تخسر المؤسسات 80% من مبادراتها؟

فشل الابتكار المؤسسي: لماذا تخسر المؤسسات 80% من مبادراتها؟

December 13, 20253 min read


تستثمر المؤسسات اليوم مبالغ ضخمة في فرق الابتكار، وبناء مختبرات حديثة، وتنظيم هاكاثونات ومسابقات، وتبنّي منصات لإدارة الأفكار. ورغم كل هذا، تشير دراسات عالمية إلى أن ما يقارب 80% من مبادرات الابتكار تفشل في تحقيق أثر حقيقي قابل للقياس. والانطباع الشائع أن المشكلة تكمن في الأفكار ذاتها، بينما الحقيقة هي أن الفشل غالبًا يعود إلى ضعف الإدارة المؤسسية للابتكار. فالابتكار الذي لا يقوم على إطار منظم سيظل نشاطًا شكليًا مهما كان الاهتمام به كبيرًا. ومن هذه الأسباب:

1) الابتكار كمبادرة مؤقتة وليس نظامًا مستدامًا:

أول أسباب الفشل هو التعامل مع الابتكار باعتباره مبادرة مؤقتة، لا نظامًا مستدامًا. في العديد من المؤسسات، يبدأ الابتكار وينتهي مع انتهاء حدث أو حملة تسويقية. وعندما يُدار الابتكار بهذه العقلية، يفقد قيمته بمجرد انتهاء الفعالية. المؤسسات الناضجة معرفيًا وإداريًا لا تعتبر الابتكار نشاطًا عابرًا، بل تبني له نموذج تشغيل متكامل يرتبط بالاستراتيجية طويلة المدى، ويضمن الاستمرارية والارتباط بنتائج الأعمال.

2) غياب الحوكمة الواضحة:

السبب الثاني يعود إلى غياب الحوكمة الواضحة. الفكرة الناجحة قد تموت لا بسبب ضعفها، بل لأن طريقها معقّد ومليء بالتداخلات. من يوافق على الفكرة؟ من يموّل المشروع؟ من يمتلكه داخل المؤسسة؟ ومن يحاسب عليه عند الفشل أو النجاح؟ من دون إجابات واضحة وحوكمة ابتكارية فعّالة، تضيع الأفكار بين اللجان والاجتهادات الفردية وتُهدر فرص حقيقية للنمو.

3) غياب نظام إدارة دورة حياة الفكرة:

أما السبب الثالث فهو عدم وجود نظام إداري واضح لإدارة دورة حياة الفكرة. جمع الأفكار لا يساوي الابتكار. الفكرة تحتاج إلى رحلة متكاملة تبدأ من الالتقاط، ثم التقييم والتحويل إلى مشروع، وصولاً إلى التنفيذ والمتابعة. في كثير من المؤسسات، تموت الأفكار في البريد الإلكتروني أو على منصات الأفكار لأن أحدًا لا يتابعها. الابتكار الحقيقي يُقاس ليس بعدد الأفكار، بل بعدد الأفكار التي تتحول إلى قيمة.

4) ثقافة مؤسسية تخشى الفشل:

السبب الرابع مرتبط بثقافة المؤسسة. عندما يخشى الموظفون الفشل، فإن الابتكار يصبح محاولة محفوفة بالخوف، لا فرصة للإبداع. الثقافة التي تعاقب المحاولة لن ترى أبدًا نتائج الابتكار، حتى لو أنفقت الملايين على مبادراته. مؤسسات الابتكار تُشجّع التجريب، وتحتوي الأخطاء المبكرة، وتحوّل الفشل إلى تعلّم، وتحفّز الموظفين على اقتراح حلول جديدة دون خوف.

5) غياب مؤشرات قياس الأثر

وأخيرًا، غياب مؤشرات القياس هو أحد أكبر المعوّقات. كثير من الجهات تعلن عن نجاح مبادرات الابتكار دون أن تملك أي أرقام تثبت الأثر. الابتكار الذي لا يقاس لا يمكن تحسينه ولا تعميمه ولا الدفاع عنه أمام مجلس الإدارة. يجب أن يكون الابتكار قادرًا على إثبات أثره في الإيرادات أو الكفاءة التشغيلية أو تجربة العميل أو تخفيض المخاطر. الأفكار جميلة، لكن النجاح لا يُقاس بالنوايا… بل بالنتائج.

عندما نفهم هذه الأسباب الخمسة، ندرك أن فشل الابتكار داخل المؤسسات ليس أمرًا حتميًا، بل نتيجة طبيعية لغياب المنهجية. الابتكار يحتاج إلى نموذج تشغيل قوي، وإطار حوكمة يحسم القرار، ونظام إدارة أفكار يتابع رحلة الفكرة حتى تنضج، وثقافة تسمح بالتجريب، وقياس دوري يثبت الأثر الحقيقي. المؤسسات التي تبني هذه المنظومة سترى تحولًا جذريًا في نتائجها، وستنتقل نسبة النجاح من مبادرة واحدة ناجحة بين كل عشر… إلى ثماني مبادرات تحقق قيمة حقيقية.

في النهاية، الابتكار ليس كلامًا جميلًا يُقال في الاجتماعات، وليس شعارًا ترويجيًا في التقارير السنوية. الابتكار هو نظام يمكن إدارته وقياسه وتطويره، وحين تتبناه القيادة بوعي كامل، يتحول إلى رافعة استراتيجية للنمو، لا مبادرة تجميلية قصيرة العمر.


مدرب معتمد وخبير في الابتكار والتفكير الإبداعي

أسامة بدندي

مدرب معتمد وخبير في الابتكار والتفكير الإبداعي

Back to Blog

إشترك في نشرتنا الإبداعية

كن أول من يحصل على الجديد..!!

اشترك لتصلك تحديثات الدورات، أدوات التفكير الإبداعي، وكل ما يساعدك لبناء عقلية الابتكار.

Unable to find form

تابعنا على السوشيال ميديا

تابعنا على السوشيال ميديا

Copyright 2025 .Royal plans LLC All Rights Reserved

Powered By : BrandMeOn