لماذا لا نفكّر بإبداع؟

 قيود العقل البشري من دي بونو إلى جاليليو

September 13, 20252 min read

قالت العرب: "بضدها تتمايز الأشياء"، وربما كان الطريق لفهم التفكير الإبداعي يمر أولًا عبر معرفة العوائق التي تكبّله وتمنع العقل من الانطلاق. فالإبداع ليس غيابًا للفكرة، بل حضور موانع تجعلها حبيسة.

1. لأننا لا نحتاج إلى أن نكون مبدعين

يرى الطبيب والمفكر إدوارد دي بونو أنّ الدماغ مبرمج بطبيعته على بناء أنماط ذهنية وتكرارها، وهو ما أسماه "نظام التنظيم الذاتي". يشبّه الأمر بمسار ترابي يُشق لأول مرة بالكاد، ثم مع تكرار العبور يصبح أكثر وضوحًا وسهولة. هذا النمط يسهّل الحياة لكنه يعيق التفكير الإبداعي. الأبحاث الحديثة تشير إلى أنّ 98% من نشاطنا اليومي قائم على التكرار، ولا يتجاوز التفكير الإبداعي سوى 2% فقط.

2. لأننا لم نتدرّب على الإبداع

ارتبط الإبداع طويلًا بالموروثات السلبية، بل ونُظر إليه أحيانًا كحالة مرضية أو هبة وراثية لا تُكتسب. لكن علماء النفس مثل جي. بي. جيلفورد (J.P. Guilford) غيّروا هذا المفهوم في ستينيات القرن الماضي حين طالبوا بدراسة الإبداع علميًا، ليظهر جيل جديد من المقاييس والبرامج التي تثبت أن الإبداع مهارة يمكن تنميتها بالتدريب.

3. القيود الذهنية

التربية والتعليم يفرضان على العقول سياجًا ضيقًا من "المسموح" و"الممنوع". يُقال للطفل: "كن منطقيًا"، أو يُسخر منه لأنه طرح سؤالًا خارج المألوف. بمرور الزمن تتحول هذه التجارب إلى قيود ذهنية صلبة. التاريخ يعطينا أمثلة صارخة: في عام 1633 وقف جاليليو جاليلي أمام محكمة روما بتهمة الهرطقة لأنه أقرّ بصحة أفكار نيكولاس كوبرنيكوس عن دوران الأرض حول الشمس. جاليليو أُجبر على التراجع، وحُكم عليه بالسجن، لكن العلم أنصفه بعد قرون وأثبت صحة أفكاره.

4. الإشكالية اللغوية وتعريف الإبداع

ما زالت مشكلة تعريف الإبداع حجر عثرة. فهل هو محصور في الأعمال الخارقة مثل فنون ليوناردو دافنشي ومايكل أنجلو، أم يشمل الإبداع اليومي البسيط في حل المشكلات والابتكار العملي؟ هنا يقدّم دي بونو مفهوم "إبداع الأفكار"، حيث يكفي أن تأتي بخدمة أو منتج جديد ليُعتبر ذلك إبداعًا. إنّ توسيع تعريف الإبداع يمنح الأفراد ثقة أكبر، ويجعلهم يرون أنّ الإبداع ليس حكرًا على العباقرة وحدهم.

ثورة في دراسة الإبداع

مع نداء جيلفورد واهتمام باحثين كثر بدراسة الدماغ، ظهر اتجاه علمي يؤكد أن الإبداع والذكاء ليسا متطابقين. بعض العلماء نسبوه إلى الوراثة، وآخرون إلى البيئة وحدها، بينما أثبتت أبحاث علم الأعصاب أن الإبداع نتيجة مزيج معقد من العاملين معًا.

الخلاصة:

الإبداع ليس معجزة ننتظرها، بل مهارة يمكن تنميتها إذا كسرنا الأنماط المتكررة، وتجاوزنا قيود التربية والمجتمع، وحررنا أنفسنا من التعريفات الضيقة. إنّ تاريخ جاليليو ودي بونو وجيلفورد يذكّرنا أن الإبداع ليس رفاهية، بل هو الوقود الحقيقي لتقدم الإنسان.

مدرب معتمد وخبير في الابتكار والتفكير الإبداعي

أسامة بدندي

مدرب معتمد وخبير في الابتكار والتفكير الإبداعي

Back to Blog

إشترك في نشرتنا الإبداعية

كن أول من يحصل على الجديد..!!

اشترك لتصلك تحديثات الدورات، أدوات التفكير الإبداعي، وكل ما يساعدك لبناء عقلية الابتكار.

Unable to find form

تابعنا على السوشيال ميديا

تابعنا على السوشيال ميديا

Copyright 2025 .Royal plans LLC All Rights Reserved

Powered By : BrandMeOn