ماذا لو اختلفت مع أحدهم حول اتخاذ قرار ما وكان عليك أن تختار بين قرارين، هل ستصوت أو تلعب زهرة النرد لتُعينك على ذلك؟ أم تستشير شخصًا ثالثًا ليحسم الأمر؟

إن القدرة على اتخاذ القرار هي أحد المهارات التي ينصح بها مجتمع المدرّبين والمرشدين ولكن أليس المزج بين القرارات ممكنًا في بعض الأحيان؟ وقد لا يكون ممكنًا البتة .

يقول "كاهنمان" الفائز بجائزة نوبل في علوم الاقتصاد وزميله "أموس تيفرسكي" أنهما اختلفا كثيرًا أثناء فترة عملهما معًا، فهما يمتلكان شخصيتين مختلفتين، فأحدهما واثقًا ومتفائلاً وحكيمًا والآخر يمتلك شخصية ناقدة. السؤال الذي يطرح نفسه: كيف أثمرت مثل هذه العلاقة عن نظرية حصلا على إثرها جائزة نوبل للاقتصاد؟

يقول "كاهنمان" صاحب الكتاب الشهير "التفكير البطيء والتفكير السريع": "أن مبدئنا قام على أن نناقش أي اختلاف أو جدل حتى نصل إلى حل يرضي الطرفين،" ويضيف قائلاً: "خلقنا أنا وأموس عقليّة مشتركة أفضل من عقلية منفصلة لكل منا."

تمثل هذه العقليّة مثالاً للعبقرية الجماعية ألا وهي: {عقلية التناقض}. ولكن ما هي هذه العقليّة؟ وكيف يمكن الاستفادة منها لتحقيق الابتكار؟

لماذا يجب أن يكون لديك استراتيجية ابتكار؟

تحول هذه العقلية التفكير في الاختيار "بين هذا وذلك" إلى عقليّة التجميع "بين هذا وذلك". إن هذه العقليّة تدفعنا إلى خلق توازنٍ ديناميكيٍ بين الخيارات المتناقضة وتمنحنا نافذة بعيدة عن المنطق. فلو طبقنا حالة التناقض على مقصلة لكان أجدر بقتلها، ولكن هذه العقليّة تسمح لأصحابها بامتلاك زمام الفكرة وتفتح مساحة المزج بين خيارين أحدهما مُرٌّ والآخر أمر أو ربما أحدهما حلوٌ والآخر أشد حلاوة. عبر هذه العقلية يمكن قبول فكرة خلط الزيت بالماء وبين المكان والامكان وبين المستقبل والحاضر وبين ما يمكن وما لا يمكن وبين الأبيض والأسود في منطقة رمادية تمزج الاثنين معًا، فلا هي وليدة هذا اللون ولا ذلك بل هما الاثنين معًا.

فلو طبقنا حالة التناقض على مقصلة لكان أجدر بقتلها، ولكن هذه العقليّة

اسامة بدندي

في دراسة أجرتها أستاذة السلوك التنظيمي "إميلا ميرون سبكتور" الإبداع الجماعي القائم على مزج وجهات النظر المتناقضة يعود بالنفع على الفريق. فعلى حد قولها أن المهندس يُفضل الجانب الوظيفي من المنتج في حين أن المصمم يفضل الناحية الجماليّة، وبين مثل هذا التنوع في الخلفيات لا بُد من أن يحدث مثل هذه النزاعات.

ترى سبكتور أن العقول الإبداعيّة تتمتع بما أسمته "تحفيز التناقض المعرفي" بمعنى أن الأفراد الذي يتمتعون بهذه العقليّة يجب أن يُترك لهم مساحة لخلق حلٍ لهذا التناقض وأن هذا التناقض دافعٌ لإيجاد حلٍ يجمع هذه التناقضات وبالتالي اختيار الحل الإبداعي غير المنطقي.

وجدت إميلا أن العقول القادرة على استيعاب هذا التناقض أكثر إبداعًا من نظرائهم الذين يسعون لاختيار حلٍ بين خيارين أو أكثر. إن العقليّة المتناقضة تدفع الأفراد للاستفادة من الاختلافات في وجهات النظر وتحويلها إلى أفكار إبداعية. تاريخيّا يُذكر أن الأخوين رايت الذين اخترعا أول نموذج للطائرة كانا يتمتعان بطريقتين مختلفتين للتفكير فيُروى أنهما كانا كثيرًا ما يتشاجران في طريقة تنفيذ المهام وتجريب الأفكار.

اقرأ أيضا: شهادات الابتكار الاحترافية

إن فكرة أنماط التفكير المختلفة تتشابه كثيرًا مع نظرية فصي الدماغ لسبيري التي حاز على إثرها جائزة نوبل والتي توصل فيها سبيري إلى أن الدماغ مقسوم إلى فصين الأيمن والأيسر ويمتاز كل منهما بطريقة تفكير مختلفة. تؤكد النظرية أن البشر يختلفون بسيطرة جانب على آخر إذ يتميز الجانب الأيمن بالتفكير الإبداعي والخيال في حين يمتاز الجانب الأيسر بالتفكير المنطقي والرياضيات، وأثبتت الدراسات أن هذه الفصين مكملين لبعضهما البعض ولا يمكن الجزم بأفضليّة أحدهما على الآخر.

درس العالم "آلبيرت روثينبيرغ" في أواخر القرن المنصرم مقابلات مع 22  حائزٍ على جائزة نوبل للسلام وحلّل سيرة عددٍ من العلماء الحائزين على جائزة نوبل. توصل روثينبرغ إلى أن كل العلماء الذين حازوا على الجائزة قد قضوا وقتًا يحاولون فيه حل تناقضٍ مُعين.

فعلى سبيل المثال درس أينشتاين إمكانية أن يكون الجسم ثابتًا ومتحركًا في آن واحد.  ووجد أيضًا أن الكُتّاب الحائزين على جوائز عالمية نبع إبداعهم من القدرة على الجمع بين فكرتين متناقضتين.

فيما يلي طرق تساعدك على كيفيّة بناء عقلية التناقض:

１. ابحث عن وجهات النظر المختلفة التي تحدث في بيئة العمل ثم اطرح السؤال التالي:

كيف يمكن جمع وجهتي النظر بوجهة نظر واحدة؟

２.  ضع وجهات نظرك على الطاولة وضع وجهات النظر النقيضة ثم اسأل السؤال ذاته.

３.  ادرس عدة وجهات من قضية معينة أو مسألة خلافية. ثم اسأل السؤال التالي:

كيف يمكن جمع وجهات النظر المتناقضة بوجهة نظر واحدة؟

４. اطرح قضية معينة واسأل عن وجهات النظر المختلفة، ثم حاول جمعها بصندوق واحد.

لقد أظهرت الدراسات أن امتلاك عقليّة التناقض القادرة على تحمل الغموض وجمع التناقضات يزيد من فعاليّة الأفراد على حل المشكلات اليوميّة وتعزز أداء المنظمات. ووجدت دراسات أخرى أيضًا أن عقليّة التناقض تكمن في عقليّة شركة نوكيا في محاولة الجمع بين الحفاظ ع الاستقرار والإصلاح المستمر. وأحد أهم المقولات للرئيس التنفيذي لشركة تويوتا "قم بالإصلاح عندما يكون السوق على ما يرام".