أغاليط كبّلت الإبداع

من التفاحة إلى الفكرة: أغاليط كبّلت الإبداع

September 06, 20252 min read

سقطت التفاحة بجانب نيوتن فاكتشف قانون الجاذبية، وخرج أرخميدس من حوض الاستحمام صارخًا “وجدتها” فدخل التاريخ. قصص كهذه جعلتنا نصدق أن الإبداع لحظة سحرية تأتي بلا موعد وأنها حكر على قلة محظوظة. لكن الحقيقة أنها مجرد أساطير رسخت مفاهيم مغلوطة كبّلت عقولنا لسنوات طويلة.

الأغلوطة الأولى: لحظة الإبداع المفاجئة

لطالما صوّرت لنا الأفلام والقصص التاريخية أن الأفكار العظيمة تولد فجأة في لحظة إلهام خارقة تغير مجرى التاريخ. غير أن الدراسات الحديثة تؤكد أن هذه اللحظة ما هي إلا قمة جبل الجليد. الإبداع في جوهره عملية طويلة تتضمن البحث والتجربة والفشل ثم إعادة المحاولة. نيوتن لم يكتشف الجاذبية بسبب تفاحة واحدة بل نتيجة سنوات من الدراسة المتعمقة في الفيزياء والفلك، وأرخميدس لم يخرج صارخًا “وجدتها” من فراغ بل بعد تراكم معرفي وتجارب سابقة. اللحظة الإبداعية موجودة لكنها النتيجة لا البداية.

الأغلوطة الثانية: الإبداع وراثي

كثيرون يعتقدون أن الإبداع صفة موروثة تجري في الدم. هذا التصور جعل الكثيرين يستسلمون مبكرًا ويقولون: لسنا مبدعين فلا داعي للمحاولة. إلا أن العلم يثبت أن الوراثة قد تلعب دورًا محدودًا، بينما البيئة والتعليم والفرص المتاحة هي العوامل الأكثر تأثيرًا. الإبداع أشبه بعضلة يمكن تقويتها بالتدريب والتجارب. أطفال عاديون تحولت حياتهم بفضل بيئة محفزة ومدارس تشجع التفكير المختلف وفرص أتاحت لهم إطلاق طاقاتهم الكامنة.

الأغلوطة الثالثة: الخبرة شرط للإبداع

قد يظن البعض أن الإبداع يتطلب خبرة طويلة في مجال بعينه. المعرفة بلا شك ضرورية لكنها قد تتحول إلى قيد يحدّ من الرؤية إذا لم تُكسر. الخبير غالبًا ما ينظر من زاوية واحدة بينما المبدع يوسّع منظوره ليجمع بين العمق في تخصص محدد والمعرفة المتنوعة بمجالات أخرى. هذه القدرة على المزج بين العمق والاتساع هي التي تولد الأفكار الجديدة. كثير من الاختراعات العظيمة لم تكن نتاج خبرة ضيقة بل نتيجة تقاطع علوم وتجارب مختلفة.

الأغلوطة الرابعة: الإبداع مرادف للذكاء

كثيرون يظنون أن من لم يكن عبقريًا لا يمكن أن يكون مبدعًا. الأبحاث تثبت أن الذكاء والإبداع قدرات متمايزة تلتقي عند حد معين ثم ينفصل مسارهما. الذكاء يساعد في التحليل والفهم بينما الإبداع يتطلب فضولًا وجرأة وخيالًا. مارلين فوس سافانت صاحبة أعلى معدل ذكاء مسجّل لم تترك أثرًا إبداعيًا واضحًا، في حين أن ريتشارد فاينمان الحائز على نوبل بذكاء متوسط نسبيًا ترك بصمة هائلة بفضل قدرته على طرح الأسئلة المختلفة واستكشاف زوايا جديدة.

الأغلوطة الخامسة: المنطق يقود كل فكرة

إخضاع الأفكار لمقصلة المنطق منذ لحظتها الأولى كان سيقتل كثيرًا من الابتكارات التي غيرت حياتنا. فكرة المطاعم في بداياتها بدت غير منطقية: لماذا يترك الناس منازلهم ويدفعون مالًا ليأكلوا في الخارج؟ واليوم أصبحت جزءًا أساسيًا من حياتنا. الأمر نفسه مع الهواتف المحمولة التي اعتُبرت غير واقعية ثم تحولت إلى ضرورة يومية. لذلك يؤكد خبراء العصف الذهني على قاعدة “تأجيل الحكم”، أي السماح للأفكار بالظهور أولًا ثم إخضاعها لاختبار المنطق لاحقًا.

الخلاصة

الإبداع ليس معجزة تهبط على البعض دون الآخرين، ولا جينًا يتوارثه المحظوظون، ولا ذكاءً خارقًا يقتصر على العباقرة. إنه مهارة يمكن تعلمها وممارسة يومية يمكن لأي شخص أن يطورها. حين نحرر عقولنا من هذه الأغاليط نكتشف أن الإبداع ليس بعيدًا عنا، بل أقرب بكثير مما نتخيل.

مدرب معتمد وخبير في الابتكار والتفكير الإبداعي

أسامة بدندي

مدرب معتمد وخبير في الابتكار والتفكير الإبداعي

Back to Blog

إشترك في نشرتنا الإبداعية

كن أول من يحصل على الجديد..!!

اشترك لتصلك تحديثات الدورات، أدوات التفكير الإبداعي، وكل ما يساعدك لبناء عقلية الابتكار.

Unable to find form

تابعنا على السوشيال ميديا

تابعنا على السوشيال ميديا

Copyright 2025 .Royal plans LLC All Rights Reserved

Powered By : BrandMeOn