قفزة الابتكار: قراءة في تقرير التنمية العالمية لعام 2023

يُعد الابتكار عنصرًا جوهريًا لتحقيق التنمية المستدامة وتعزيز التنافسية الاقتصادية في ظل التغيرات العالمية المتسارعة. مع تقدم التكنولوجيا وظهور تحديات جديدة مثل الأزمات الاقتصادية وتغير المناخ، أصبح من الضروري إعادة تقييم مراكز الابتكار العالمية ودورها في دعم النمو الاقتصادي وتحقيق أهداف التنمية. في هذا السياق، يُقدّم تقرير "مؤشر مراكز الابتكار العالمية" (GIHI) لعام 2023، الذي أعدّه مركز التنمية الصناعية والحوكمة البيئية (CIDEG) بجامعة تسينغهوا بالتعاون مع Intelligence Research Nature، رؤية شاملة ومتكاملة لمشهد الابتكار العالمي. التقرير يستعرض الاتجاهات الحديثة، الفرص، والتحديات التي تواجه مراكز الابتكار، مع التركيز على تأثير الابتكار في دفع عجلة التنمية الاقتصادية والاجتماعية. فيما يلي توسع للنقاط الرئيسية التي تناولهاالتقرير:

1. الاقتصاد الرقمي كمحرك للنمو

أكد التقرير على أن الاقتصاد الرقمي يلعب دورًا محوريًا في تعزيز النمو الاقتصادي. يُعتبر الاقتصاد الرقمي قوة دافعة للتغيير والتحديث، حيث يوفر أدوات وتقنيات متقدمة تُسهم في تحسين الكفاءة وتعزيز الابتكار في مختلف القطاعات. يشمل الاقتصاد الرقمي الذكاء الاصطناعي، إنترنت الأشياء، والبيانات الضخمة، والتي تُعد عوامل أساسية لدفع النمو الاقتصادي وتحقيق المرونة في ظل التحديات العالمية. أشار التقرير إلى أهمية تطوير البنية التحتية الرقمية وتعزيز سياسات التحول الرقمي لدعم هذا الاتجاه.

2. الابتكار ودوره في النمو الاقتصادي

يُبرز التقرير دور الابتكار كأداة أساسية لتحفيز النمو الاقتصادي العالمي. الابتكار هو محرك رئيسي لتحقيق القيمة المضافة وتوسيع الأسواق. تتبنى الدول والشركات الابتكار لتطوير منتجات وخدمات جديدة، وتحسين العمليات، وزيادة الكفاءة. في ظل التغيرات المتسارعة، يُعتبر الابتكار عنصرًا حاسمًا في استدامة النمو الاقتصادي وتوفير فرص عمل جديدة.

3. تطور مراكز الابتكار العالمي (GIHs)

يحلل التقرير خصائص جديدة ظهرت في مراكز الابتكار العالمية نتيجة للتغيرات السريعة في الاقتصاد والسياسة والتكنولوجيا. تشمل هذه الخصائص التوجه نحو المدن الذكية، تكامل التقنيات الحديثة في مختلف القطاعات، وزيادة الاستثمار في البحث والتطوير. كما يُبرز التقرير دور التعاون بين الجامعات والمؤسسات البحثية والشركات في تعزيز مكانة مراكز الابتكار.

4. مؤشر مراكز الابتكار العالمي (GIHI)

يُعد GIHI أداة لتقييم المدن بناءً على ثلاثة مؤشرات رئيسية: الابتكار البحثي (Research Innovation)، اقتصاد الابتكار (Innovation Economy)، والنظام البيئي للابتكار (Innovation Ecosystem). يُتيح هذا المؤشر تحليل أداء المدن في مجالات البحث العلمي، الاقتصاد الرقمي، ودعم الشركات الناشئة، مما يوفر رؤى استراتيجية لتحسين تنافسية المدن على المستوى العالمي.

5. توسيع نطاق التقييم

زاد عدد المدن التي شملها التقييم من 100 مدينة في العام الماضي إلى 119 مدينة في عام 2023. يُظهر هذا التوسع اهتمامًا متزايدًا بتقييم مراكز الابتكار الصغيرة إلى جانب المراكز الكبرى، مما يُعزز فهمنا لتوزيع قدرات الابتكار عالميًا.

6. استغلال الكفاءات العالمية

تضم المدن المشمولة بالتقرير أفضل موارد الابتكار العالمية، مثل الجامعات الرائدة، والمؤسسات البحثية، والشركات المبتكرة. يُبرز التقرير أهمية استقطاب المواهب والموارد المتميزة لتعزيز بيئات الابتكار، وهو ما يُسهم في تطوير حلول مبتكرة للتحديات العالمية.

7. إضافة أقسام جديدة

أضاف GIHI 2023 قسمين جديدين يهدفان إلى تقديم رؤية أعمق لقدرات الابتكار في المدن العالمية. القسم الأول هو مراكز التخصصات الأكاديمية (Centers of Discipline)، الذي يركز على تحليل المؤسسات الأكاديمية والبحثية التي تقود الابتكار في تخصصات معينة. يتم من خلال هذا القسم تقييم مدى تأثير الجامعات ومراكز البحوث على مستوى التخصصات الأكاديمية المختلفة مثل العلوم الطبية، والهندسة، وعلوم الحاسب. أما القسم الثاني فهو براءات اختراع الذكاء الاصطناعي (AI Patents)، والذي يعكس مدى تقدم المدن في هذا المجال الحيوي. يُحلل هذا القسم عدد براءات الاختراع المتعلقة بالذكاء الاصطناعي وجودتها، مما يوفر فهمًا دقيقًا لقدرات المدن في تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي وتطبيقها في القطاعات المختلفة. تهدف هذه الإضافات إلى تعزيز دقة المؤشر وتقديم رؤى متعمقة حول نقاط القوة والضعف في مراكز الابتكار العالمية. يُسهم هذا الإضافة في تقديم تحليل أعمق لقدرات الابتكار البحثي والتكنولوجي، مما يُتيح فهمًا أفضل لتوجهات البحث والتطوير.

8. الشمولية في تحليل البيانات

يُركّز قسم مراكز التخصصات الأكاديمية على تقييم قدرات الابتكار البحثي من خلال تحليل مساهمات الجامعات والمؤسسات البحثية في المجالات المختلفة. أما قسم براءات اختراع الذكاء الاصطناعي، فيُقدم رؤية حول تقدم الدول والمدن في هذا المجال المتطور.

9. أفضل 20 مدينة للابتكار

حدد التقرير أفضل 20 مدينة عالمية في مجال الابتكار لعام 2023. تتميز هذه المدن بتنوعها الجغرافي، مما يعكس التعددية القطبية لمشهد الابتكار. من بين هذه المدن مدن رائدة في آسيا، أوروبا، وأمريكا الشمالية، مما يُبرز توازنًا جديدًا في توزيع القدرات الابتكارية.

10. التعددية القطبية في الابتكار

أشار التقرير إلى تحول مشهد الابتكار من نظام ثنائي القطبية تقوده الولايات المتحدة وأوروبا إلى نظام متعدد الأقطاب، مع بروز قوي للمدن الآسيوية مثل شنغهاي وبكين وسنغافورة. يُظهر هذا التحول توسع الابتكار عالميًا بدلاً من تركّزه في مناطق محددة.

11. صعود المدن الآسيوية

يشير التقرير إلى النمو السريع للمدن الآسيوية في مجال الابتكار. تضم القائمة عددًا متزايدًا من المدن الصينية التي أثبتت جدارتها كمراكز ابتكار قوية. هذا الصعود يُعزى إلى الاستثمارات الكبيرة في البحث والتطوير، والبنية التحتية التكنولوجية المتقدمة.

12. أهمية مناطق الخليج

تحتل مناطق الخليج مكانة بارزة في التقرير، حيث تضم أربع مدن من بين أفضل عشر مدن عالميًا في مجال الابتكار. هذا الإنجاز يعكس الجهود المستمرة لدول الخليج، مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر، في استثمار مواردها في تطوير البنية التحتية للابتكار وتعزيز بيئة الأعمال. تتميز هذه المناطق بتوافر جامعات عالمية المستوى، مؤسسات بحثية متقدمة، وشراكات استراتيجية مع شركات تقنية رائدة. إضافة إلى ذلك، تُعد مناطق الخليج مراكز جذب للمواهب العالمية، حيث توفر بيئة تشجع على الابتكار وريادة الأعمال. ويُبرز التقرير أهمية الاستثمارات في مجالات مثل الذكاء الاصطناعي، الطاقة المتجددة، والتكنولوجيا المالية، التي تسهم في تعزيز مكانة الخليج كمركز عالمي للابتكار.

13. نمو المحاور الصغيرة

أوضح التقرير زيادة عدد المحاور الصغيرة (Small Hubs) التي يقل عدد سكانها عن مليون نسمة. تقع معظم هذه المحاور في أوروبا وأمريكا الشمالية، مما يُظهر أن الابتكار ليس حكرًا على المدن الكبرى فقط، بل يمكن أن يُزدهر في المدن الصغيرة بفضل التخصص والتركيز على قطاعات محددة.

14. تأثيرات التكتل والامتداد

حلل التقرير كيفية تأثير المدن الكبرى على المدن الأصغر المحيطة بها من خلال التكتل والامتداد. يُسهم هذا التأثير في نقل المعرفة والموارد، مما يُعزز الابتكار في المدن الصغيرة ويوسع نطاق التنمية الاقتصادية.

15. ريادة أوروبا والولايات المتحدة

على الرغم من بروز المدن الآسيوية، لا تزال أوروبا والولايات المتحدة تتصدران في مجال الابتكار البحثي. تتميز الجامعات والمؤسسات البحثية في هذه المناطق بإنتاجية عالية في البحث العلمي، مما يُحافظ على ريادتها في النظام البيئي للابتكار.

16. دعم الشركات الناشئة

شدد التقرير على أهمية دعم الشركات الناشئة كعامل رئيسي في تعزيز النظام البيئي للابتكار. يُساعد توفير التمويل، والإرشاد، والبنية التحتية للشركات الناشئة على تحقيق نمو سريع ودفع عجلة الابتكار.

17. التعاون والانفتاح الدولي

أكد التقرير على ضرورة التعاون والانفتاح الدولي لتعزيز شبكة الابتكار العالمية. يُعد تبادل المعرفة والخبرات بين الدول والمدن عاملاً حاسمًا لتحقيق التنمية المستدامة.

18. أهمية البنية التحتية

يُبرز التقرير دور البنية التحتية الراسخة والخدمات المتطورة في دعم الابتكار. تشمل هذه البنية التحتية مراكز البحث، والمنشآت التكنولوجية، والاتصال الرقمي، مما يُسهم في تحقيق التقدم والابتكار في مختلف المجالات.

يلخّص التقرير التحديات والفرص في مشهد الابتكار العالمي، مسلطًا الضوء على أهمية الاستثمار في الابتكار الرقمي وتعزيز التعاون الدولي لدفع عجلة التنمية. يُقدّم التقرير رؤى قيمة لصناع القرار لتحسين تنافسية المدن والشركات في ظل التغيرات المتسارعة.