
قبعات التفكير الست
منهجية لاتخاذ القرارات الصحيحة
ابتكر هذه الإستراتيجية الجراح البريطاني المالطي الأصل إدوارد ديبونو، إذ قدم هذه الإستراتيجية من التفكير في كتابه "قبعات التفكير الست" بوصفها نوعًا جديدًا من التفكير أطلق عليهالتفكير المتوازي. يعتبر ديبونو النتاج الحالي للبشرية قائما بشكل أساسي على التفكير المنطقي، وهو بحد ذاته تفكير جيد، وما النتاج الذي تحصده البشرية إلا هذا النوع من التفكير الذي يقوم على المحاججة وإثبات صحة افتراضات طرف على حساب طرف آخر. يرى ديبونو أنه على الرغم من جودة هذا التفكير إلا أنه غير كافٍ، ولا يقدم ما هو مأمول.
يقوم مبدأ التفكير المتوازي على النظر لجميع أطراف المسألة، فبدلًا من أن يثبت كل طرف وجهة نظره ويبدأ بالدفاع عنها؛ يقوم جميع المشاركين بالنظر للمسألة من وجهة نظر واحدة، بحيث يرتدي كل واحد منهم قبعة تفكير محددة تجعله يفكر بنمط محدد. تولّد هذه الإستراتيجية قوة تنشأ من خلال نظرة الأفراد المشتركة، وهذا ما يعطي الأفكار متانة. حيث يمكن تشبيه هذه النظرة بعدسة مقعرة تجمع أشعة الشمس، ويتم تركيزها في نقطة محددة تؤدي لإحراق ورقة أو إشعال نار على سبيل المثال. في المقابل يحذر ديبونو من أن نتعامل مع القبعات كنوع من التفكير، وأن كل مشارك يرتدي قبعة معينة للتفكير بطريقة معينة، فهذا خلل كبير يفقد المعنى الأصيل لفكرة البرنامج.
تتكون استراتيجية التفكير هذه من ست قبعات رئيسية، تمثل كل واحدة منها طريقة تفكير معينة، ولها هدف محدد، وهذه القبعات هي:
1-القبعة البيضاء
:وهي قبعة البيانات والمعلومات والإحصاءات والأرقام والدراسات؛ إذ تقوم على فكرة جمع المعلومات عن المسألة المراد معالجتها، أو المشكلة التي نريد حلها، أو نقطة التحسين التي يُراد تطويرها. عند ارتدائها يقوم جميع المشاركين بارتداء القبعة والتفكير في جمع البيانات والمعلومات من وجهة نظر موضوعية.
مثال:عدد الموظفين في منشأة ما هو أربعة وأربعون موظفًا.
تعتبر هذا الجملة مثالًا على المعلومات التي نحتاجها في القبعة البيضاء. ختامًا يقوم المشاركون بجمع المعلومات التي يحتاجونها حتى لو تطلب الأمر وقتًا أطول من المتوقع، أو عقد أكثر من جلسة. يبدأ الجميع بمشاركة هذه المعلومات بينهم بهدف خلق نظرة شمولية تمكن الفرد من رؤية المشكلة أو نقطة التركيز من كل الجوانب.
2. القبعة الحمراء
تعتبر هذه القبعة على النقيض من القبعة البيضاء، وفيها يُعبّر المشاركون في الجلسة عن مشاعرهم وعن آرائهم الخاصة دون أن يكون ثمة حاجة لتقديم مبرر أو سبب لذلك؛ تأخذ هذه القبعة في عين الاعتبار الجانب الإنساني من البشر؛ فلا تهمل العاطفة منهم، حيث يعتقد ديبونو أن هذه المشاعر ينبغي أن يكون لها وقت مخصص من خلال هذه القبعة، ويجب عدم تحييدها لأنه قد تظهر خلال القبعات الأخرى، فكان الأجدى أن يعطى المشاركون في الجلسة فرصة التعبير عن آرائهم بغض النظر أَوافقت هذه المشاعر رأي الأغلبية أم لم توافق.
مثال:
- لا أعتقد أن هذه الفكرة ستنجح في التطبيق.
- أحببت طريقة هذا الحل.
في المثالين السابقين يقدم كل مشارك رأيه في الفكرة وفي الحل، وهذا هو ما يراد بهذه القبعة.
3. القبعة الصفراء
في هذه القبعة يقوم المشاركون بطرح كل النقاط الإيجابية في الحل أو المنتج المطروح، ولكن ينبغي الابتعاد عن ذكر الإيجابيات المبنية على المشاعر، وهذ الأمر ينبغي أن يتأكد من المُيَسِّر للجلسة حتى يضمن ألا تختلط الأمور في طرق التفكير.
مثال:
من إيجابيات الحل أنه سيقلل من عدد الإصابات في صفوف العاملين.
يظهر من المثال السابق أن الفكرة من هذه القبعة ذكر النقاط الإيجابية للحل، أو الفكرة المطروحة.
4. القبعة السوداء
تعتبر هذه القبعة عكس القبعة الصفراء، فالهدف من القبعة السوداء هو حصر السلبيات للفكرة، أو الحل المطروح حتى يكون جميع المشاركين مدركين لفعالية الفكرة أو المنتج، وقادرين على تقييمها بشكل أفضل. وينبغي عدم الخلط بين ذكر السلبيات ومشاعر المشاركين نحو الفكرة. الهدف من هذه القبعة هو الإتيان على نقاط الضعف وسلبيات الفكرة بناءً على معلومات قائمة ودلائل واضحة، لا على المشاعر التي لا تأويل لها، بناء على دراسات تظهر الخلل، وإثباتات تظهر عدم فعاليتها، أو أن النقاط التي تجعل منها غير قابلة للنجاح أو التطبيق.
مثال:
- وذلك بناء على الدراسة التي أجريت، سيزيد استخدام هذا الحل من عدد الإصابات.
5. القبعة الخضراء
تفتح القبعة الخضراء للمشاركين المجال لتوظيف إبداعاتهم، وكيف يمكن أن يُستخدم الحل بطريقة تضمن الازدهار في نقطة تركيز أخرى. يمكن القول أن هذه القبعة تأخذ بعين الاعتبار الجانب الإبداعي من الفكرة، بمعنى آخر؛ كيف يمكن أن يتحول الحل لفرصة استثمارية، أو يمكن استخدامه لجذب عملاء أو مستثمرين جدد في نقطة معينة؟
مثال:
يمكن تحويل الفكرة لتصبح منتجًا يُباع لشركات في قطاع آخر.
يظهر من هذا المثال أن لكل فكرة أو حل جانب ابتكاري يجب ألا يُهمل، إنما يؤخذ بعين الاعتبار.
6. القبعة الزرقاء
يرمز اللون الأزرق للسماء؛ أي الشمول ورؤية الأشياء من كل الزوايا، ففي هذه القبعة يُتخذ قرارٌ بعينه. فهي ترمز للسيطرة والتحكم، وتضمن التنقل بين القبعات الست. ويمكن القول أيضًا أن هذه القبعة هي قبعة التفكير بالتفكير. وهي أكثر القبعات استخدامًا، وخصوصًا في بداية الجلسة أو نهايتها؛ حتى نضمن بقاء الأمر تحت السيطرة.
لا يمكن القول بأن ثمة قبعة أفضل من الأخرى، فكل قبعة تلعب دورًا لتؤدي مهمة في إستراتيجية أكبر، حيث تعد القبعات الست إحدى الطرق الفعّالة في توسيع الإدراك، وتغيير المنظور من خلال فتح آفاق للتفكير، إذ إن تغيير المنظور والزاوية التي تنظر بها للعالم من حولك يفتح أمامك الفرص والاحتمالات، ولكن من أجل توسيع مساحة رؤية الأشياء، فإن الأمر يتطلب جهدًا وتدريبًا مستمرًا؛ فالأمر لا يأتي بين ليلة وضحاها أو بقرار تتخذه في حينه، بل هو ديدن المبدعين الذين يسألون ويتساءلون ليخرجوا من نمط التفكير النمطي، ومن دائرة الحل الأوحد إلى دائرة الاحتمالات، ومن عشق المألوف إلى اللامألوف، فتتفتق أمامهم الخيارات وكأنهم لم يكونوا يرَوا ويستمعوا للأشياء بهذه الطريقة الجديدة، وكأنهم كانوا صمًا بكمًا لا يلتفتون إلى شيء. ولكنك الآن تراهم يطرحون السؤال تلو السؤال، ويُعيدون به تشكيل العالم من حولهم، ويعيدون ترتيب ما جمعوا من خبرات ومعارف متراكمة؛ فتثري خيالهم، وتحرر عقولهم، وتساعدهم في إيجاد حلول للمشكلات التي تواجههم، وللمسائل التي يواجهونها، أو تكون عونًا لهم لابتكار منتج جديد لم يتوقعوا يومًا أن يفكروا به