لماذا انقرضت بعض الشركات العظيمة؟ة

معضلة الابتكار

April 21, 20253 min read

على مر العقود، شهد عالم الأعمال اختفاء العديد من الشركات العظيمة التي كانت يومًا ما في طليعة الابتكار والنجاح. ولكن لماذا تفشل هذه الشركات، رغم أنها كانت تمتلك موارد ضخمة وخبرات واسعة؟ يعود السبب الرئيسي إلى عدم قدرتها على التكيف مع التغيرات في الأسواق والتكنولوجيا، وهو ما يُعرف بـ معضلة الابتكار. فالشركات التي تركّز فقط على التحسينات التدريجية تخاطر بالركود، بينما تواجه الشركات التي تسعى وراء الابتكار الجذري مستويات عالية من عدم اليقين والمخاطر. إن الفشل في تحقيق التوازن بين هذين النهجين، إلى جانب غياب القدرات الديناميكية، هو ما يؤدي إلى زوال العديد من الشركات العريقة.

معضلة الابتكار: كيف تسقط الشركات العظيمة؟

إن أحد الأخطاء الرئيسية التي وقعت فيها الشركات المنقرضة هو الاعتماد المفرط على الابتكار التدريجي. فالتحسينات الصغيرة في المنتجات والخدمات والعمليات تساعد على زيادة الكفاءة وتحسين تجربة العملاء والحفاظ على القدرة التنافسية في الأسواق الحالية. ومع مرور الوقت، تصبح الشركات أكثر كفاءة في تنفيذ هذه التحسينات، مما يؤدي إلى تركيزها على التطوير التدريجي فقط، بدلاً من استكشاف فرص جديدة.

على الجانب الآخر، يتطلب الابتكار الجذري تطوير منتجات أو خدمات أو نماذج أعمال جديدة تمامًا تتحدى الوضع القائم. مثل هذا الابتكار يحتاج إلى أساليب جديدة لحل المشكلات، ومهارات تقنية وتجارية متطورة، واستعداد لمواجهة المخاطر. ولكن الشركات الكبرى غالبًا ما تتردد في تبني هذا النهج، حيث تخشى فقدان مكانتها الحالية أو التأثير على مصادر دخلها التقليدية، مما يؤدي إلى تخلفها عن الركب أمام المنافسين الجدد.

هذا ما حدث مع كوداك، التي كانت رائدة في صناعة التصوير الفوتوغرافي، لكنها لم تتكيف مع الثورة الرقمية. رغم أنها طوّرت أول كاميرا رقمية في السبعينيات، فإنها لم تستثمر فيها بالشكل المناسب خوفًا من التأثير على سوق الأفلام التقليدية، مما سمح لمنافسين آخرين بالاستحواذ على السوق. المثال ذاته ينطبق على نوكيا، التي كانت تسيطر على سوق الهواتف المحمولة لكنها فشلت في مواكبة التحولات نحو الهواتف الذكية، مما أدى إلى انهيارها أمام أبل وسامسونج.

القدرات الديناميكية: عامل البقاء في عالم متغير

حتى لا تواجه الشركات مصير كوداك وبلوكبستر ونوكيا، يجب أن تمتلك قدرات ديناميكية، وهي المهارات التنظيمية التي تمكّنها من التكيف مع التغيرات المستمرة في السوق. يمكن تصنيف هذه القدرات إلى ثلاثة محاور رئيسية:

استشعار الفرص: يجب أن تكون الشركات قادرة على متابعة اتجاهات السوق، والتطورات التكنولوجية، واحتياجات العملاء. تحقيق ذلك يتطلب الاستثمار في البحث والتطوير، والانفتاح على استكشاف مجالات جديدة، والتفاعل مع الشركاء الخارجيين. على سبيل المثال، نجحت جوجل في استشعار الحاجة إلى التحول نحو الذكاء الاصطناعي، مما مكّنها من البقاء في طليعة شركات التكنولوجيا.


اغتنام الفرص: بمجرد تحديد فرصة جديدة، يجب على الشركات التحرك بسرعة لتنفيذها. يتطلب ذلك تخصيص الموارد والاستثمار في التقنيات الجديدة وإعادة هيكلة المنظمة لدعم الابتكار. أمازون، على سبيل المثال، لم تكتفِ بكونها منصة للتجارة الإلكترونية، بل استثمرت في الحوسبة السحابية والذكاء الاصطناعي، مما عزّز مكانتها كمنافس قوي في مجالات متعددة.


تحويل العمليات: الابتكار ليس مجرد خطوة واحدة، بل هو عملية مستمرة تتطلب تعديل نماذج الأعمال والعمليات التشغيلية باستمرار. يجب على الشركات تشجيع ثقافة التجريب، وتعزيز التعاون بين الأقسام، والاستعداد لتغيير الاستراتيجيات عند الحاجة. على سبيل المثال، تحولت مايكروسوفت من شركة تركز على بيع البرمجيات التقليدية إلى مزود للخدمات السحابية، مما أنقذها من الركود وجعلها من أقوى الشركات في العالم.

لماذا تفشل بعض الشركات في تطوير القدرات الديناميكية؟

توجد عدة أسباب تجعل بعض الشركات الكبرى غير قادرة على تطوير قدرات ديناميكية تمكنها من البقاء في السوق:

التمسك بالنجاحات السابقة: تعتقد الشركات التي كانت ناجحة في الماضي أن الاستراتيجيات التي نجحت سابقًا ستبقى ناجحة دائمًا، مما يجعلها مقاومة للتغيير.

البيروقراطية والجمود الإداري: الشركات الكبيرة غالبًا ما تعاني من عمليات اتخاذ قرارات بطيئة، مما يجعلها غير قادرة على التحرك بسرعة لمواكبة التغيرات.

الخوف من المجازفة: الابتكار الجذري يحتاج إلى استعداد لتحمل المخاطر، ولكن العديد من الشركات تخشى الخسائر قصيرة المدى، مما يجعلها تتجنب المخاطرة بالتحولات الكبيرة.

البقاء للأكثر قدرة على التكيف

انقراض الشركات العظيمة ليس ناتجًا عن نقص الموارد أو الخبرات، بل عن غياب القدرة على التكيف مع التغيرات السريعة في الأسواق والتكنولوجيا. معضلة الابتكار تؤثر على جميع الشركات، ولكن تلك التي تتمكن من تطوير قدرات ديناميكية قادرة على الاستشعار والاغتنام والتحويل، ستكون أكثر قدرة على البقاء والازدهار. في عالم الأعمال، البقاء ليس للأقوى، بل للأكثر قدرة على التكيف.

مدرب معتمد وخبير في الابتكار والتفكير الإبداعي

أسامة بدندي

مدرب معتمد وخبير في الابتكار والتفكير الإبداعي

Back to Blog

اشترك في نشرتنا الإبداعية

كن أول من يحصل على الجديد..!!

اشترك لتصلك تحديثات الدورات، أدوات التفكير الإبداعي، وكل ما يساعدك لبناء عقلية الابتكار.

أدخل بريدك الإلكتروني وكن أول من يعرف الجديد:

Copyright 2025. Innovologia. All Rights Reserved.